1
أَلَم تَسأَلِ الدارَ الغَداةَ مَتى هِيا *** عَدَدتُ لَها مِنَ السَنينَ ثَمانِيا
2
بِوادِي الظِباءِ فَالسَليلِ تَبَدَّلَت *** مِنَ الحَيِّ قَطرًا لا يُفِيقُ وَسافِيا
3
أَرَبَّت عَلَيهِ كُلُّ وَطفَاءَ جَونةٍ *** وَأَسحَمَ هَطالٍ يَسُوقُ القَوارِيا
4
فَلاَ زَالَ يَسقِيهَا ويَسقِي بِلاَدَهَا *** مِنَ المَزنِ رجَّافٍ يَسوقُ السَواريا
5
يُسَقّي شَرِيرَ البَحرِ جَودًا تَرُدُّهُ *** حَلائبُ قُرحٍ ثِمَّ أَصبَحَ غادِيا
6
عَهِدتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ كَأَنَّهُم *** عِظامُ المُلُوكِ عِزَّةً وَتَبَاهِيا
7
لَهُم مَجلِسٌ غُلبُ الرِّقابِ مَراجحٌ *** قِدارُ الحِفاظِ يَدفَعُونَ الأَعَادِيا
8
وَفِتياِن صِدقٍ غيرُ وَخشٍ أُشابَةٍ *** مَكاسِيبُ لِلمالِ الطَرِيفِ مَعاطيا
9
إِذا ظَعَنُوا يَومًا سَمِعتَ خِلالَهُم *** غِناءً وَتَأييهًا وَنَقرًا وَحادِيا
10
وَرَنَّةَ هَتّافِ العَشِيِّ مُكَبَّلٍ *** يُنازِعُهُ الأَوتارَ مَن لَيسَ رَامِيا
11
يُنازِعُهُ مِثلُ المَهاةِ رَفِيقَةٌ *** بِجَسِّ النَدامى تَترُكُ القَلبَ رانِيا
12
غَدا فَتَيا دَهرٍ فَمَرّا عَلَيهِمُ *** نَهارٌ وَلَيلٌ يَلحَقانِ التَواليا
13
تَوالِيَ مَن غالَت شَعُوبٌ فَأَصبَحَتْ *** كُلُولُهُمُ تَبكي وَتُبكي البَواكِيا
14
تذكّرتُ ذِكرىً مِن أُميمةَ بَعدَما *** لَقِيتُ عَناءً مِن أُمَيمَةَ عانِيا
15
فَلا هِيَ تَرضى دُونَ أَمرَدَ ناشِئٍ *** وَلا أَستَطِيع أَن أَرُدَّ شَبابِيا
16
وَقَد طالَ عَهدِي بالشّبابِ وَأَهلِهِ *** وَلاقَيتُ رَوعاتٍ يُشِبنَ النَواصِيا
17
بَدَت فِعلَ ذِي وُدٍّ فَلَمّا تَبِعتُها *** توَلَّتْ وَأَبقَتْ حاجَتِي في فُؤاديا
18
وَحَلَّت سَوادَ القَلبِ لا أَنا باغِيًا *** سِواها وَلا عَن حُبِّها مُتَراخِيا
19
وَلَو دامَ مِنها وَصلُها ما قَلَيتُها *** ولَكِن كَفى بِالهَجرِ لِلحُبِّ شافِيا
20
وَما رابَها مِن رِيبَةٍ غَيرَ أَنَّها *** رَأَت لِمَّتِي شابَتْ وَشابَ لِداتِيا
21
تَلُومُ عَلى هُلكِ البَعيرِ ظَعينَتي *** وَكُنتُ عَلى لَومِ العَواذِلِ زارِيا
22
أَلَم تَعلَمي أَنّي رُزِئتُ مُحارِبًا *** فَما لَكِ مِنهُ اليَومَ شيءٌ وَلا لِيا
23
وَمِن قَبلِهِ ما قَد رُزِئتُ بِوَحوَحٍ *** وَكانَ اِبنَ أُمّي والخَليلَ المُصافِيا
24
فَتىً كَمُلَتْ أَخلاقُه غَيرَ أَنَّهُ *** جَوادٌ فَما يُبقي مِنَ المالِ باقِيا
25
فَتىً تَمَّ فِيهِ ما يَسُرُّ صَديقَهُ *** عَلى أَنَّ فِيهِ ما يَسُوءُ الأَعاديا
26
يَقُولُ لِمَن يَلحاهُ في بَذلِ مالِهِ *** أَأُنفِقُ أَيّامِي وَأَترُكُ مالِيا
27
يُدِرُّ العُروقَ بالسِنانِ وَيَشتَري *** مِنَ الحَمدِ ما يَبقَى وَإِن كانَ غالِيا
28
أَشَمُّ طَوِيلُ السَاعِدَينِ سَمَيدَعٌ *** إِذا لَم يَرُحْ لِلمَجدِ أَصبَحَ غادِيا
29
أُتِيحَت لَهُ وَالغَمُّ يَحتَضِرُ الفَتى *** وَمِن حاجَةِ الإِنسانِ ما لَيسَ لاَقِيا
30
كَفَينا بَني كَعبٍ فَلَم نَرَ عِندَهُمْ *** لِما كانَ إِلاَّ ما جَزى اللَهُ جازِيا
31
وَيَومَ النُّخَيلِ إِذ أَتَينا نِساءَكمْ *** حَواسِرَ يَركُضنَ الجِمالَ المَذاكِيا
32
وَيَومٍ شَدِيدٍ غَيرِ ذِي مُتَنَفَّسٍ *** أَصَمَّ عَلى مَن كانَ يُحسَبُ راقِيا
33
كَأَنَّ زَفِيرَ القَومِ مِن خَوفِ شَرِّهِ *** وَقَد بَلَغَت مِنهُ النُفُوسُ التَراقِيا
34
زَفِيرُ مُتَمٍّ بالمُشَيَّأِ طَرَّقَتْ *** بِكاهِلِهِ فَلا يَرِيمُ المَلاقِيا
35
سَنُورِثُكُم إِنَّ التُراثَ إِليكُمُ *** حبِيبٌ قُراراتِ النَجا فَالمغالِيا
36
وَماءً مِنَ الأَفلاجِ مُرًّا وغُدَّةً *** وَذِئبًا إِذا ما جَنَّهُ الليلُ عادِيا
37
وَأَطواءَنا مِن بَطنِ أَكمَةَ إِنَّكُمْ *** جَشِمتُمْ إِلى أَربابِهِنَّ الدَواهِيا
38
وَلَو أَنَّ قَومي لَم تَخُنّي جُدُودُهُمْ *** وَأَحلامُهُمْ أَصبَحتُ للفَتقِ آسِيا
39
وَلكنَّ قَومي أَصبَحُوا مِثلَ خَيبَرٍ *** بِها داؤُها وَلاَ تَضُرُّ الأَعادِيا
40
فَلاَ تَنتَهِي أَضغانُ قَوميَ بَينَهُمْ *** وَسَوآتُهُمْ حَتّى يَصِيرُوا مَواليا
41
مَوالِيَ حِلفٍ لا مَوالِي قَرابَةٍ *** وَلكِن قَطِيناً يَسأَلُونَ الأَتاوِيا
42
فَلَم أَجِدِ الإِخوانَ إِلاَّ صَحابَةً *** وَلَم أَجِدِ الأَهلِينَ إِلاَّ مَثاوِيا
43
وَكانَت قُشَيرٌ شامِتًا بِصَديقِها *** وآخَرَ مَزرِيًّا عَلَيهِا وَزارِيا
44
وَلكِنْ أَخُو العَلياءِ والجُودِ مالِكٌ *** أَقَامَ عَلى عَهدِ النَوى وَالتَصافِيا
45
فَأَصبَحَتِ الثَيرانُ غَرقَى وَأَصبَحَتْ *** نِساءُ تَمِيمٍ يَلتَقِطنَ الصَياصِيا
46
لَهُ نَضَدٌ بِالَغورِ غَورِ تِهامَةٍ *** يُجاوِبُ بِالرَعشاءِ جَونًا يمانِيا
47
فَأَصبَحَ بِالقِمرى يَجُرُّ عَفاءَهُ *** بَهِيمًا كَلَونِ الليلِ أَسوَدَ داجِيا
48
فَلَمّا دَنا للخرجِ خرجِ عُنَيزَةٍ *** وَذِي بَقَرٍ أَلقى بِهِنَّ المَراسيا
49
لَها بَعدَ إِسنادِ الكَلِيمِ وهَدئِهِ *** وَرَنّةِ مَن يَبكي إِذَا كانَ باكيا
50
هَدِيرٌ هَدِيرَ الثورِ يَنفُضُ رَأسَهُ *** يَذُبُّ بِرَوقَيهِ الكِلابَ الصَوارِيا
51
وَمِثلُ الدُمى شُمُّ العَرانِينِ ساكِنٌ *** بِهِنَّ الحَياءُ لا يُشِعنَ التَّقافِيا