علنت العائلات الجزائرية حالة الطوارئ فلا حديث هذه الأيام داخل البيوت، المدارس، الإكماليات والثانويات وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" إلا عن نتائج الفصل الأول والتي يجمعون بأنها كارثية، الأمر الذي دفع بأوليائهم مباشرة بعد سماعهم بعلامتهم للتنقل إلى مدارس الدروس الخصوصية وتسجيلهم حتى يتمكنوا من تحسين مستواهم خاصة بالنسبة للمقبلين على امتحانات مصيرية في نهاية السنة الدراسية.
ذكرت لنا السيدة "ن. حسينة" والتي كانت بالقرب من مدرسة الدروس الخصوصية "الاجتهاد" بحسين داي، أن ابنها وهو تلميذ في السنة الثالثة ابتدائي قد تراجع تحصيله العلمي في المواد العلمية وبالأخص الرياضيات بشكل ملحوظ، فعلاماته ضعيفة جدا ومعدله في كل مادة منهما لا يتجاوز 4 من 10، ما دفعها للبحث جاهدة عن سبل تتدارك بها الكارثة قبل أن يعيد السنة فجاءت لتسجيله مباشرة في الدروس الخصوصية بغية تحسين مردوده على الأقل في المواد العلمية ويتمكن من تجاوز مرحلة الخطر، مشيرة إلى أنه حاول كتم الأمر عليها لكنها تفطنت له صباحا عندما كان يهم بإمضاء أوراق الامتحان بدلا من أوليائه فوبَّخته وتوعدته بالعقاب بعدما يستلم معدله.
وإذا كان الأولياء قد أصيبوا بالأرق جراء قلقهم على نتائج أبنائهم على حد قول المثل الشعبي "قلبي على وليدي جمرة وقلب وليدي عليّ تمرة"، فالأبناء لم يكترثوا بالأمر كثيرا بل حولوا مأساتهم وخيباتهم إلى أحاديث فكاهية طريفة على صفحات "الفايسبوك"، فقد كتب أحد التلاميذ على صفحته الخاصة أن الخميس سيكون يوما يختلف عن بقية الأيام الأخرى وليس أمامه مفر للهروب من العقاب سوى الاتصال بـ"هواري مول لومبيلونس"، وقد تجاوب معه العشرات من التلاميذ الذين يشاطرونه "المحنة "محاولين وضع "خطة" أطلقوا عليها اسم "الهروب الماكر"، بل وذهبوا إلى أبعد من هذا بنشر صور تطالب بتجنيد عدد كبير من سيارات الإسعاف يوم الخميس حتى يستطيعوا الفرار من الجحيم الذي ينتظرهم. في حين وضع أحد الشبان صورا لشاب كان جالسا يلعب في غرفته والباب موصود وأمامه من الخارج يقف والده حاملا بيده "حزام سروال"، ليكتب الشاب وهو تلميذ في السنة الثانية ثانوي شعبة علوم عبارة "لحظات قبل الكارثة" وهو عنوان برنامج تبثه قناة "ناشيونال جيوغرافيك" تتحدث عن الساعات الأخيرة التي يعيشها الناس قبل وقوع أشهر الحوادث والكوارث في العالم.
وتهاطلت الإبداعات والأفكار الخلاقة عند التلاميذ المعنيين بالعقاب حيث نشر أحدهم صوراً لأوراق امتحاناتهم وهي معلقة بحبل ومساكات غسيل وعليها علامات ضعيفة جدا تتراوح مابين 2 و5 ليعلق عليها بأنها نتائجه في هذا الفصل، مطالبا الأساتذة والإدارة بجمعها دون تقسيمها كي يتوصلوا إلى معدله الفصلي.
ولعل أطرف المنشورات هي التي وضعها أحد التلاميذ وكانت كالآتي 18 في اللغة العربية، 19 في الرياضيات، 17,5 في الفرنسية، 17 في الإنجليزية، ليواصل التلميذ الحديث عن علاماته ثم يضيف عبارة "وفجأة تدخل والدتي وتطلب مني الاستيقاظ لأن الوقت تأخر والساعة تشير للسابعة والنصف"، في حين ارتأى بعض التلاميذ اللجوء للحديث عن حالات وفيات ومحاولات انتحار لتلاميذ عقب سماعهم بنتائجهم الفصلية، أما أحد التلاميذ فأشار إلى غضب والده بعبارة بعد نتائج الامتحانات اختفى "مودام" الانترنيت مع تبادلهم لجملة من النصائح حول سبل التعامل مع عائلاتهم يوم النتائج.
وكان الأساتذة والمختصون قد حذروا الأولياء من الضغط بشدة على أبنائهم وتشديد العقوبات عليهم عقب استلامهم المعدلات، وهو ما قد يدفعهم للإقدام على تصرفات خطيرة كالهروب من المنزل أو محاولة الانتحار، داعين الأولياء لفتح مجال للتحاور مع الأبناء والتعرف على مشاكلهم والعقبات التي تقف وراء تراجع مستواهم الدراسي وتقديم يد العون والمساعدة لتخطي هذه الصعوبات، كما يتوجب عليهم إقناع التلاميذ بأن النجاح هو ثمرة العمل طوال العام لذا فالفرصة لا تزال سانحة أمامهم للتدارك في بقية الفصول.