بكت في ظلام الليل تندب أهلها
بصوت له الصخر الأصمَ يَلين
وباتت وقد جلّ المُصاب حزينةً
لها في مناحى الغُوطتين أنين
تئن وقد مدّ الظلام رِواقه
وخيّم صمت في الدجى وسكون
إذا هي مدّت في الدُجُنّة صوتها
تَميد له في الغوطتين غصون
وتلهب منه في الفضاء شرارة
فتُبصرها في الرافدين عيون
وتَهبو له في ساحل النيل هَبوة
أبو الهول منها واجد وحزين
ومن بعد وهن أشرق البدر طالعاً
فأسفر منها عارض وجبين
فأبصرت منها الوجه أزهر مشرقاً
بخديه سر للجمال مصون
جمال بديع بالجلال متَّوج
له سبب في المكُرمات متين
وبَرقَعَها حزن فكان لوجهها
مكان من الحسن المَهيب مكين
فتاة جَثَت في الأرض تبكي وحولها
صريع على وجه الثرى وطعين
فضمت إلى الصدر اليدين وعينها
تقاذفُ منها بالدموع شؤون
وقد شَخَصت نحو السماء بطرفها
لها كلَّ آن زَفرة وحنين
وما أنس لا أنس العشّية أنها
تورّمَ منها بالبكاء جفون
وإن غزير الدمع خدّد خّدها
فلاحت من الأشجان فيه فتون
ولما انقضى صبري تراميت نحوها
كما ترتمي بالعاصفات سَفين
وقلت لها مَن أنت رُحماك إنني
لك اليوم خِلٌ صادق وأمين
فقالت وقد ألقت إليّ بنظرة
عن القصد فيها مُعرب ومُبين
أنا البلدة الثكلى دمشق ابنة العلا
أما أنت في مغنى دمشق قَطين
ألم تر أبنائي يُساقون للردى
فمنهم قتيل بالظُبى وسجين
فأين أباة الضيم من آل يعرب
ألم يأتِ منهم ناصرٌ ومُعين
فقلت لها لبَّيك يا أُمّ إنهم
سيأتيك منهم بارزٌ وكمين
سندرك فيك الثأثر من أنفس العدى
ونُوقِد نار الحرب وهي زَبون
فهذي دمشق يا كرام وهذه
أحاديث عنها كلهن شُجون