قوة البحرية الجزائرية:
أجمع المؤرخون الأوروبيون والأمريكان على أن البحرية الجزائرية كانت منظمة أحسن تنظيم،إضافة إلى شجاعة أهلها.
وكان الجزائر تستعمل بحريتها بدافع الوعي بمسؤولياتها الدولية عن الأمن والسلم في البحر الذي كان بحرها،والمحيطات التي كانت ساحاتها.
فسقوط الأندلس تلاه قيام الدولة الجزائرية مكانها،كجدار منيع ضد النصرانية،الزاحفة نحو الشرق،فكان أن قامت الجزائر بإيقاف هذا الزحف،ببناء قوة بحرية عظيمة،استخدمتها بادئ الأمر للدفاع،ثم بعد ذلك للهجوم والغزو،بعد انتصارها على أوروبا،وإسقاطها للرايخ الألماني الأول(الإمبراطورية الألمانية الرومانية المقدسة)في سنة 1541.
يقول المؤرخ دي غرامون:
لقد أخذت جرأة الرياس الجزائريين تزداد باطراد،وهكذا حجزوا على عباب المحيط الأطلسي،السفن الإسبانية المسلحة تسليحا ثقيلا،والمحملة بالذهب والفضة والبضائع الفاخرة،وهي راجعة من أمريكا اللاتينية،كما فاجأوا أكثر من مرة سكان خليج غسكونيا،وسواحل بحر المانش،وبحار إنجلترا،فمن ضفاف جزر ماديرا على الأطلسي،إلى صخور الجليد في إيسلندا،ما كان أحد يستطيع أن ينجو من ملاحقاتهم.
فانظروا إلى ازدياد القوة البحرية الجزائرية شيئا فشيئا،حتى وصل أسطول الجزائر إلى خليج غسكونيا،وجاب بحار بريطانيا دون رادع،بل طرق أبواب الولايات المتحدة،بوصوله إلى إيسلندا وغزوها.
يقول المؤرخ هانري غارو:
إن القرصنة البحرية(ونحن نسميها الجهاد البحري) المنظمة في البدء كدفاع مشروع ضد الفرسان النصارى،قد تحولت في مملكة الجزائر إلى مؤسسة دائمة،وريعها يصب في ميزانية الدولة.
يقول المؤرخ:مملكة الجزائر،وهذا رد على من يعتقد أن الجزائر كانت تابعة للدولة العثمانية،أما مسألة نعتنا بالقراصنة،فسنتحدث عنها فيما بعد إن شاء الله.
ويقول أيضا:
فزيادة على مصانع السفن في بجاية،وشرشال وغيرهما،فلقد كان في العاصمة خاصة مصنعان:في باب الوادي للسفن الكبيرة،وفي باب عزون للسفن الصغيرة.
الله أكبر،عندما كانت الجزائر تصنع أسلحتها بنفسها،فانظروا إلى مصانع السفن ما أكثرها،لأنواع السفن ومختلفها.
ثم يستطرد فيضيف:
وهاكم بضعة أسماء لأهم الوحدات المعروفة:البرتغالية،وهي مركب الرايس حميدو المفضل،غنمها من البرتغاليين،وديك البرج،وانتصار الإسلام،والعناية الإلهية،ورعب البحار،ومفتاح الجهاد،والإسكندر الفاضل.
ويضيف نفس المؤرخ أيضا:
لقد كان من النادر أن يحرز النصارى نصرا على الجزائريين،وذلك أنهم بمراكبهم السريعة المنخفضة،التي تخفى عن الأنظار في البحر،كانوا يطفون فجأة،ويختفون عند اللزوم بنفس المفاجأة والسرعة اللتين يبرزان بهما للعيان،وبذلك كانوا أعداء يصعب تحاشيهم،ويكاد يكون من المستحيل اللحاق بهم.
هذا اعتراف من الأعداء باحترافية الأسطول الجزائري،وتمنكه من المناورة والهجوم وقت اللزوم.
وقد كانت الجزائر تصنع السفن التي تسمى:السفن المستديرة،وهي سفن متطورة جدا،كانت الجزائر الوحيدة التي تملكها.
ويقول أيضا مستطردا:
ولم يكونوا يتعرضون للسفن النصرانية فقط،التي كانت تمخر عباب البحر جماعات،بل كانوا أيضا ينزلون على السواحل الأوروبية،ويتوغلون داخل البلاد،ينهبون الأرياف،ويهاجمون قصور النبلاء،بل وحتى المدن.
وحتى الفلاحين على الشواطئ الأوروبية لم يعودوا يفلحون أراضيهم إلا وهم مرتعدون،فقد أصبحوا يعيشون في قلق دائم،يتوجسون خيفة من ظهور أسطول الجزائريين.
ويقول نفس المؤرخ:
فمن البحر الأبيض المتوسط،الذي كان في الأول هدفهم الرئيسي،انطلق رياس البحر وارتفعوا إلى المحيط الأطلسي،بمجرد أن تبنوا استعمال السفن المستديرة،فلم يتركوا لا طريق الهند ولا طريق أمريكا،معكرين سير تجارة جميع الأمم.
ويقول أيضا:
وفي سنة 1616 نجد مراد رايس ينهب شواطئ إيسلاندا،ويرجع منها إلى الجزائر ب400 أسير،وفي سنة 1619 اكتسحوا الجزيرة البرتغالية ماديرا على المحيط الأطلسي،وفي سنة 1631 عاثوا فسادا في شواطئ إنجلترا،وأغلقوا مدخل بحر المانش،وأخذوا أسرى من بحر الشمال.
الله أكبر،انظروا كيف طرق الأسطول الجزائري أبواب الولايات المتحدة بغزوه إيسلاندا،ثم اجتياح بريطانيا،بل وصل بهم الأمر إلى إغلاق بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا،فلا أحد يدخل ولا أحد يخرج إلا بأمر الأسطول الجزائري،بل الأروع أن يصل أسطولنا إلى بحر الشمال،متجاوزا هولاندا إلى الدانمرك،يصول ويجول ويأتي بالأسرى من بلدانهم دون معارضة تذكر من الدول الأخرى.
يقول المؤرخ كاط:
لقد ظل الهولانديون والإنجليز والبندقيون والجنويون والنابليون وفرسان مالطا،طوال القرن السابع عشر يشنون حروبا على الجزائر،ولكنها دحرتهم جميعا،بفضل تفوق بحريتها المنظمة تنظيمها يستحق الإعجاب.
ويضم المؤرخ سيميونوف صوته إلى كاط فيقول:
ليس الفرنسيون فقط من كافحوا الجزائريين،بل جميع الأمم بدون أي استثناء كافحت هذا الوباء البحري،كافحه الإنجليز والهولانديون والنابليون والجنويون والإسبان،لكن كفاحهم ظل بدون جدوى.
ما شاء الله، من شدة فزع وخوف الأوروبيين من الجزائر،نعتوها بالوباء البحري.
الجزائر مسؤولة عن السلم والأمن الدوليين:
إن الأسطول الجزائري الذي يثير الإعجاب كما يقول المؤرخ كاط،لم يقصر خدمته على الدفاع عن الجزائر فقط،فحتى عندما وصل إلى إيسلاندا،في أقصى إسكندنافيا،أو شطوط بريطانيا،أو بحر الشمال وبحر المانش،والمحيط الاطلسي،فضلا عن البحر الأبيض المتوسط،فقد كان يدافع عن السلم والأمن الدوليين،ويحطم شوكة القرصنة الأوروبية،ويمنع ظلم الدول الأوروبية عن الدول الضعيفة،بل ويمنع الحروب بين الدول،أويشعلها،حسب ما تقتضيه المصلحة.
فقد كان له الدور البارز في مساندة الدولة العثمانية ضد الدول الأوروبية وروسيا التي تكالبت كلها عليها.
ففي أربع مرات على الأقل نهض أسطولنا مدافعا عن الدولة العثمانية،ومانعا لسقوطها:
في معركة ليبانت في اليونان يوم:9 أكتوبر 1571.
يقول المؤرخ غارو:
حيث قام الأسطول الجزائري بدور لامع مشرف،حتى بعد أن أبيد أسطول الدولة العثمانية،أمام أساطيل البندقية والبابا بيوس الثاني،وإنجلترا وإيطاليا وإسبانيا.
ثم في الحرب الروسية العثمانية سنة 1787.
ثم في معركة العثمانيين لطرد نابليون من مصر.
وأخيرا في معركة نافارين سنة 1827،عندما أبيد الأسطول العثماني كله،وظل الأسطول الجزائر يحارب بمفرده أساطيل روسيا وفرنسا وبريطانيا.
وهكذا،كانت الجزائر مانعا من سقوط العثمانيين أكثر من مرة،بل حتى بعد إبادة الأسطول العثماني،يبقى الأسطول الجزائري في الميدان يصارع وحده.
هل أسطول الجزائر أسطول قرصنة؟
حاول الكثير من الأوروبيين تشويه صورة الجزائر،باتهامها بالقرصنة البحرية على الدول،إلا أنهم لم يستطيعوا طمس معالم الجزائر العظمى،فالمشوهون هم أنفسهم الذي حافظوا على تاريخ الجزائر من الإندثار،وحفظوا الحقيقة كاملة.
سبحان الله
أرادوا أن يشوهوا صورة الجزائر،فوجدوا أنفسهم قد حفظوا تاريخها المشرف.
أبى الله إلا أن يحفظ تاريخ الجزائر،بواسطة المحرفين أنفسهم.
فالحمد لله رب العالمين
أما بخصوص بعض الأشقاء الذي يسيرون على درب المحرفين،فهو حسد من عند أنفسهم،لا أكثر ولا أقل.
والأوروبيون أنفسهم يعترفون بأنهم دولهم كان دول قرصنة،وأنهم هم من كانوا الوباء البحري وليس الجزائر.
يقول إدوار كاط:
وكان الهولنديون والإنجليز،وأناس من جميع الدول،أكثر شراهة ووحشية في قرصنتهم من الجزائريين.
ويقول شارل أندري جوليان:
إذا كانت حياة الأسرى الأوروبيين المستعملين لدى الجزائر في تجديف السفن تثير الشفقة،فقد كانوا أسعد بكثير من الأسرى الجزائريين،الذي كانوا مستعملين في تجديف سفن ملك فرنسا،والذين كانوا يوسمون بالحديد المحمى،ويمنعون من ممارسة شعائر دينهم.
وهذا لعمري طبيعي،فالجزائريون يتعاملون مع الأسرى من منطلق إسلامي،أما الأوروبيون فلا شيء يحكمهم ويوجه عواطفهم.
يقول المؤرخ دو مارتين:
كانت الدول الأوروبية تدعم قراصنتها ضد الجزائر وغيرها،فمثلا فرنسا،بعد العهد الملكي،وبموجب مرسوم من حكومة الثورة(الدريكتوار) بتاريخ 15 فيفري 1799،يذكر فيه بالنص الواضح:ضرورة تسليح القراصنة الفرنسيين.
إذن القراصنة هم الأوروبيون أنفسهم،ودولهم التي كانت تدعمهم.
الجزائر تفرض القانون على العالم بالقوة
ضرورة فرض الجزية:
ونظرا للمسؤولية الملقاة على عاتق الجزائر بحكم موقعها،فقد أصبحت ذات سلطة،بل هي الحكم في العالم،مما يتطلب تكاليف،وفرض الجزية على الدول،لضمان أمن سفنها.
يقول دي غرامون:
لقد ظلت الجزائر طيلة ثلاثة قرون رعب النصرانية وكارثتها،فلم تنج واحدة من المجموعات الأوروبية من البحارة الجزائريين الجريئين،بل وأخضعت الجزائر زيادة على ذلك لمهانة الضريبة السنوية:ثلاثة أرباع أوروبا،بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.
هل هناك أعظم من هذا الاعتراف من الأعداء؟
هذا أقوى دليل بأن الجزائر أعظم دولة في العالم أجمع دون منازع.
يقول المؤرخ غارو:
لقد كانت الدول النصرانية التي أعلنت عليها الجزائر الحرب الدائمة،بصفتها شارع الجهاد،تظن نفسها ملزمة باشتراء الهدنة من حين لآخر،وبصفة متقطعة من الجزائريين.
ويقول نفس المؤرخ:
وهكذا كانت الولايات المتحدة المريكية،وهولاندا والبرتغال،ونابولي،والسويد،والنروج،والدانمارك،تدفع للجزائر الجزية كل سنتين،بل إن السويد والدانمارك والنروج كانت تزود الجزائر بدون مقابل زيادة على الجزية،بالأسلحة والأسلاك،والأعمدة،وحدائد الإرسال،والبارود والقنابل.
ويقول أيضا:
أما فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والدول الإيطالية:سردينيا وطوسكانا والبندقية،فقد كانت تقدم نقدا أو عتادا،هدايا كل سنتين،وهو نفس الشيء.
ويقول أيضا:
أما الدول الألمانية:
هانوفر وهامبورغ وبريمن،فقد كانت تقدم العتاد البحري والحربي.
هذا كله فضلا عما كانت تقدمه جميع أصناف هذه الدول من هدايا لدى عقد معاهدات،وتغيير القناصل وغيرها من المناسبات.
ويقول أيضا:
والدولتان الوحيدتان اللتان لم تكونا تدفعان الجزية للجزائر هما:النمسا وروسيا،ولكن ذلك جر عليها شرا مستطيرا،فقد كان الأسرى النمساويون وخاصة الأسرى الروس،بأعداد كبيرة في سجون الجزائر.
يقول المؤرخ غزافيي باردون:
وهكذا،ولتضمن الأمن لأساطيلها البحرية،قبلت جميع دول أوروبا بأداء ضرائب سنوية،غالبا مرهقة لها،لتلك الحكومة القاسية الهائجة،التي كانت دائما في حالة حرب(يقصد الجزائر).
فعلا،فالجزائر كانت طيلة قرون ثلاثة في حالة حرب دائمة،حتى تضمن ولاء الدول لها،وفرض قانونها بالقوة.
ويقول أيضا:
إضافة إلى الجزية،فقد كانت فرنسا،تبعث بمناسة إرسال كل قنصل جديد،بهدايا ثمينة إلى الجزائر،مع رسائل اعتماده،حتى يحظى بالقبول.
وللسبب نفسه اضطرت بريطانيا المعتدة بنفسها،إلى أن تضغط على كبريائها،وتهين قوتها البحرية،لتدفع لحكومة الجزائر مبالغ طائلة.
ويقول أيضا:
وهكذا،كانت جميع الدول الكبرى،تتبع نفس القاعدة،حتى الولايات المتحدة.
فلدى كل تعيين لقنصل جديد يجب على كل واحدة من تلك الحكومات أن تبعث مع ممثلها بهدايا ثمينة،هكذا كانت تفعل ألمانيا،وإيطاليا،حتى روما نفسها،وإسبانيا،والنمسا،وهولاندا،أما السويد والدانمارك والصقليتان والبرتغال والولايات المتحدة،فقد كانت تدفع زيادة على ذلك،ضريبة سنوية ضخمة لخزينة الجزائر،وهكذا كانت هذه الخزينة أغنى خزينة في الكون.
الخلاصة:
عندما أراد المؤرخون والأوروبيون إخفاء حقيقة الجزائر،وجدوا أنفسهم قد ساهموا بالتعريف بالجزائر دون قصد منهم،فحفظوا تاريخها عندما أرادوا تشويهه وتحريفه،وذلك فضل من الله وحده.
وكما قال المؤرخ نايت بلقاسم:
والله إن لاسم الجزائر لروعة،ووقعا،وصدى،وإن للجزائر في تاريخها لشخصية دولية وهيبة عالمية.
أليس علينا أيها الجزائريون واجب الارتقاء بالدولة،والعودة بها إلى أمجادها؟
لابد من أن نسعى لذلك بكل ما أوتينا من قوة
وليكن شعارنا:
بناء جديد متين على أساس عتيد مكين
سنموت منتصرين أو سنموت محاولين
منقول