قال تعالى *وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون *
نجد أن الإسلام عني بالعمل عناية كبيرة، وجعله من الواجبات، ومما يؤكد على أهمية العمل في الإسلام أنه ورد في القرآن الكريم كلمة (العمل) ومشتقاتها نحو (360) مرة، ومن أدلة الحث على العمل قوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون).
وقد وصف الرسول الكريم العاملَ بأنه حبيب الله، وقد مارس هذه السنة الإلهية كل الأنبياء والرسل ، وكان النبي يحض المسلمين على العمل ويقول لهم "ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس" ، وفي الحديث أن من الذين لا يستجاب دعاؤهم "رجل يقعد في بيته ويقول يا رب ارزقني" وفي الحديث " كان رسول الله إذا نظر إلى شاب أعجبه يسأل: هل له عمل؟ فإذا قيل: لا، كان يقول: سقط عن عيني".
وقوله صلى الله عليه وسلم "خيركم من يأكل من كسب يده، وان نبي الله داود كان يأكل من كسب يده" وقد طبق رسولنا الكريم لأصحابه هذا القول بالفعل، فقد عمل راعياً للغنم في مكة ليحصل على قوته من عمل يده، وقد شارك أصحابه في العمل يوم حفر الخندق فكان تارة يحفر بالفأس وتارة يحمل التراب على بطنه الشريفة، وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه "لان يحمل أحدكم فأساً فيحتطب ويحصل على قوته خير من أن يسأل الناس سواء أأعطوه أو منعوه" فالعمل روح الدين وبدونه تتعطل نواميس الحياة، وقد جعل الله الجنة ثمرة العمل لقوله تعالى "لمثل هذا فليعمل العاملون" لقد اعتبر الإسلام العمل الذي تفرضه الحياة جانباً من جوانب الشريعة الإسلامية واعتبره في بعض الأحيان أفضل من العبادات المستحبة إذ أن العمل بحد ذاته عبادة وقد وردت عن الرسول (ص) أقوال ومواقف تؤكد ذلك ، فقد ورد عنه: "الساعي على عياله كالمجاهد في سبيل اللَّه ،،، ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده" ويروى أن النبي (ص) كان مع أصحابه، فمر بهم رجل قوي البنية، فتمنوه مجاهداً في سبيل اللَّه فقال لهم: "ان كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل اللَّه، وإن كان خرج على صبية صغار فهو في سبيل اللَّه، وإن كان خرج على زوجة يعفها عن الحرام فهو في سبيل اللَّه ,,, وإن كان خرج على نفسه يعفُّها عن السؤال فهو في سبيل اللَّه ،،،".
وورد في الخبر أن صحابيين وفدا على الرسول (ص) ومعهما أخ لهما يحملانه على أيديهما فلما سألهما النبي (ص) عن حاله قالا: "إنه لا ينتهي من صلاة إلا إلى صلاة ولا من صيام إلا إلى صيام حتى أدرك من الجهد ما ترى، فقال لهما: فمن يرعى له إبله ويسعى على ولده، فقالا: نحن يا رسول اللَّه، فقال لهما: أنتما أعبد منه وأتقى".
وجاء رجل إلى الإمام الصادق (ص) وقال له: " إني أعمل للدنيا وأحبها، فقال له: وما تصنع بذلك؟ فقال: أتزوج النساء وأحج البيت وأنفق على عيالي وأنيل إخواني، فقال (ص): ليس هذا من الدنيا بل هو من الآخرة".
من كل ما سبق وغيره كثير نجد أن الإسلام يدعو إلى العمل وجعل له مرتبة ومكانة عالية فتارة يصف العامل بأنه حبيب الرحمن وتارة يجعل العمل في منزلة الجهاد في سبيل ، وتارة أخرى يجعل من الكد والعمل في الدنيا زادا للآخرة وكل ذلك إنما ليؤكد علي قيمة وأهمية العمل ودوره في إعلاء شان صاحبه في الدنيا والآخرة.
إذا كانت هذه قيمة العمل في الإسلام ويجب أن نلاحظ أن الإسلام لم يحدد نوعية أو طبيعة العمل بمعني أن المقصود هو العمل في لفظه المطلق ويستوي في هذا العمل الذهني أو المهني والحرفي لان مما شاع في مجتمعاتنا ويعتبر آفة ما زلنا نعاني منها إلى اليوم هو تدني النظرة إلى قيمة العمل اليدوي أو المهني.
__________________