احرص على قيام العشر الأواخر من رمضان, ولو أن تضطر إلى تأجيل الأعمال الدنيوية, فلعلك تحظى بقيام ليلة القدر, فإن قيامك فيها تجارة عظيمة لا تعوض.
فقيام ليلة القدر -وهي إحدى ليالي الوتر من العشر الأخير من رمضان- أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر؛ وذلك لقوله تبارك وتعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]؛ أي ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريبًا. ولو أصاب مسلم ليلة القدر فقامها لمدة عشرين سنة، فإنه يُكتب له -بإذن الله- ثواب يزيد على من عَبَد الله ألفًا وستمائة وست وستين سنة.
أليس هذا عمرًا إضافيًّا طويلاً يسجل في صحيفتك، لا تحلم أن يتحقق لك فتقوم به في الواقع؟
قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: "واعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله تعالى نيفًا وثمانين سنة, ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارًا كثيرة".
إننا نرى كثيرًا من الرجال والنساء قد حرموا أنفسهم من هذا الخير وتقاعسوا عن قيام ليالي رمضان، خصوصًا العشر الأخيرة منها؛ فتراهم يمضون ليلهم إما في الأسواق, أو في مجالس سمر, أو أمام الأفلام, أو منهمكين في حل فوازير رمضان, بينما كانت بيوت السلف -رحمهم الله تعالى- ومساجدهم تحيا في ليالي رمضان بالطاعة والذكر والصلاة. بل وجد من الناس اليوم من أحيوا أسواقهم بالتجول فيها من أول يوم من رمضان إلى نهايته؛ استعدادًا ليوم العيد كما زعموا. فقصر عمرهم الإنتاجي, وقلَّت حسناتهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتأتي أهمية قيام ليلة القدر أنها ليلة يحدد فيها مصير مستقبلك لعام قادم، ففيها تنسخ الآجال, وفيها يفرق كل أمر حكيم. فاحرص أن تكون فيها ذاكرًا لله ومسبحًا له, أو قارئًا للقرآن, أو قانتًا لله, تسأله السعادة في الدنيا والآخرة.
وإياك أن تكون فيها في مواطن الغفلة كالأسواق ومدن الملاهي ومجالس اللغو، فيفوتك خير كثير.
د. محمد بن ابراهيم النعيم